جديد الموقع
recent

النفاق

عبد الجليل مبرور

المقدمة:

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على النبيِّ الأمين، وعلى آله وصحْبه أجمعين.

أما بعد:
فإنَّ أخطر مرَض يُبتلى به المرء هو مرَض النِّفاق، هذا المرَض الذي يجعل القلْبَ أسود مظلمًا، لا يُحِلُّ حلالاً، ولا يحرِّم حرامًا، الدنيا همُّه، والمال غايتُه، يبذل المنافِق قصارى جهده لتحصيل ما يفنى، ويصرف ملءَ الأرض ذهبًا لتحصيل ما يَبلى، مرَضٌ إنْ أصاب المرء جعلَه أجوفَ كالخيزران، الجُثمانُ جثمانُ إنس، والقلْبُ قلبُ شيطان، إنْ تكلَّم فالشيطان يُلقِّنه، وما نظَر إليه فالشيطان يُزيِّنه، وإنْ فكَّر فالشيطان يمنِّيه، وإن سمِع فالشيطان يستفِزُّه، آثَر دنيا زائلة على نعيمٍ لا يَبلى، له رأسٌ بوجهين، وجسمٌ بقلْبين.

هو للمسلمين من الخائنين، وللمؤمنين من المثبِّطين، شرُّه مستطير، وحِقدُه للإسلام ليس له نظير، إذا ضحِك للمسلِم فقلبُه يحترق، وإنْ خلا بإخوان الشياطين فوجهُه يبرق، يظنُّ أنَّ الهُدى هُدى الشيطان، وما يعلم المسكين أنَّ حياته ضياعٌ وخسران.

فلمَّا كان شرُّ النِّفاق أضرَّ على المسلم من اليهود والنصارى، كان لزامًا على المؤمن الذي يُريد النجاةَ بدينه في الدنيا والآخرة أن يتَّبع سبيل المؤمنين، وألاَّ يميلَ ويروغ روغانَ الثعالب، وللهِ درُّ الحسن البصري - رحمه الله - وهو مَن هو في العبادة والزهد - حيث قال: "أخاف أن يُلقِي بي في النار ولا يُبالي".

فالمؤمِن تجده دومًا خائفًا وجِلاً، لِمَا قدَّم مستقلاًّ، عن صِفات المنافقين حنيفًا ومائلاً.

وبحثُنا نتحدَّث فيه - إن شاء الله تعالى - عن صفات المنافقين وخصائصهم، وقد رتبتُه على مباحثَ، وهي:
1- تعريف النِّفاق.
2- أصل تسمية المنافق منافقًا.
3- صفات أهل النفاق الأكبر.
4- صفات أهل النفاق الأصغر.
5- نماذج مِن خوف السلف من النفاق.
6- أسبابه.
7- السبيل إلى الخَلاص منه.

1- تعريف النفاق:
للنفاق معنيان: معنى لُغوي، وآخر اصطلاحي:
فأمَّا لُغة:
جاء في "النهاية"؛ لابن الأثير، مادة (نفق):
"(نفق): قد تكرَّر في الحديث ذِكْر [النِّفاق]، وما تصرَّف منه اسْمًا وفعْلاً، وهو اسمٌ إسلامي لم تَعْرفْه العربُ بالمعْنى المخْصُوص به، وهو الذي يَسْتُر كُفْرَه ويُظْهِر إيمانه، وإنْ كان أصلُه في اللُّغة مَعْروفًا، يقال: نافقَ يُنَافق مُنافَقةً ونِفاقًا، وهو مأخوذ مِنَ النَّافِقاء: أحَد جِحَرة اليَرْبوع إذا طُلِب مِن واحِدٍ هرَب إلى الآخَر وخرَج منه، وقيل: هو من النَّفَق: وهو السّرَب الذي يُسْتَتَر فيهِ لِسَتْرِه كُفْرَه"؛ ا.هـ.

وفي "الصحاح في اللغة"، مادة (نفق): "نَفَقَتِ الدابَّة تَنْفُقُ نُفوقًا؛ أي: ماتت، ونفقَ البيعُ نَفاقًا بالفَتح؛ أي: راج.

والنِّفاقُ بالكسر: فِعل المُنافِقِ، والنِّفاقُ أيضًا: جمع النَفَقَةِ مِن الدراهم، يقال: نَفِقَتْ نِفاقُ القومِ؛ أي: فَنِيت.

ونَفِقَ الزادُ يَنْفَقُ نَفَقًا؛ أي: نَفِدَ، وفرسٌ نَفِقُ الجري، إذا كان سريعَ انقطاعِ الجري.

وأَنْفَقَ القومُ؛ أي: نفقتْ سوقُهُم، وأَنفَقَ الرجل؛ أي: افتقر وذهَب ماله، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ ﴾ [الإسراء: 100]، وقد أَنْفَقْتُ الدراهم، من النَفَقَةِ، ورجلٌ مِنْفاقٌ؛ أي: كثير النَفَقَةِ.

والنَفَقُ: سرْبٌ في الأرض له مَخْلَصٌ إلى مكانٍ، والنافِقاءُ: إحْدى جحرة اليربوع، يكتُمها ويُظهِر غيرها، وهو موضعٌ يُرقِّقه، فإذا أُتِيَ مِن قِبَلِ القاصِعاءِ ضربَ النافِقاءَ برأسه فانْتَفَقَ؛ أي: خرج، والجمع النَوافِقُ، والنُّفَقَة أيضًا مثال الهُمَزَةِ، النافِقاءُ، تقول منه: نَفَّقَ اليربوع تَنْفيقًا، ونافَقَ؛ أي: أخذ في نافِقائه، ومنه اشتقاق المُنافِقِ في الدِّين.

ونَيْفَقُ السراويلِ: الموضعُ المتَّسعُ منها"؛ ا.هـ.

وأمَّا اصطلاحًا: فهو إظهارُ الخير وإبطان الشرّ، وقد قسَّمه جمهور العلماء ومحقِّقوهم قِسمين: نفاق أكبر، ونفاق أصغر، أو نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، أمَّا النفاق الأكبر فهو المُخرِج من المِلَّة باتِّفاق أهل العلم، وهو كما قال ابن القيِّم[1]: "وأما النِّفاق: فالداء العُضال الباطِن الذي يكون الرجل ممتلئًا منه وهو لا يشعر، فإنه أمرٌ خفي على الناس، وكثيرًا ما يخفَى على مَن تلبَّس به، فيزعم أنَّه مصلِح وهو مفسِد.

وهو نوعان: أكبر وأصغر.

فالأكبر: يُوجِب الخلودَ في النار في دَرْكها الأسفل، وهو أن يُظهِر للمسلمين إيمانَه بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وهو في الباطن مُنسلخٌ من ذلك كلِّه، مكذِّب به، لا يؤمن بأنَّ الله تكلَّم بكلام أنزلَه على بشَر، جعلَه رسولاً للناس، يَهديهم بإذنه، ويُنذِرهم بأسَه، ويُخوِّفهم عقابَه"؛ ا.هـ.

وقال ابن رجب[2]: "وهو أنْ يُظهِر الإنسانُ الإيمانَ بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، ويُبطن ما يُناقِض ذلك كلَّه أو بعضَه، وهذا هو النِّفاق الذي كان على عهد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونزَل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنَّ أهلَه في الدَّرْكِ الأسفل من النار"؛ ا.هـ.

وذكر البَغَويُّ[3]: "والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نِفاق:
فكفر الإنكار: ألاَّ يعرفَ الله أصلاً، ولا يعتَرِف به.
وكفر الجحود: هو أن يعرِفَ الله تعالى بقَلْبه، ولا يُقرُّ بلسانه ككفر إبليس، وكفر اليهود؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾ [البقرة: 89].
وكفر العناد: هو أن يعرِف الله بقلْبه، ويعترف بلسانه، ولا يَدين به، ككُفْر أبي طالب؛ حيث يقول:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ
مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلاَ الْمَلاَمَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ
لَوَجَدْتنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا

وأما كفر النفاق: فهو أن يقرَّ باللسان، ولا يعتقد بالقلْب، وجميع هذه الأنواع سواء في أنَّ مَن لقِي الله تعالى بواحِد منها لا يغفر له"؛ ا.هـ.

قال السعدي[4]: "واعلم أنَّ النِّفاق هو: إظْهار الخير وإبطان الشرّ، ويدخل في هذا التعريفِ النفاقُ الاعتقادي، والنفاق العملي، كالذي ذكرَهُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَب، وإذا وَعَد أخْلَف، وإذا اؤتُمِن خان))، وفي رواية: ((وإذا خاصَمَ فَجَر)).

وأمَّا النِّفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام، فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولَم يكن النفاق موجودًا قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، وبعد أن هاجر، فلما كانتْ وقعة "بدر"، وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم، فأظهر بعضهم الإسلام خوفًا ومخادعة، ولتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم، وفي الحقيقة ليسوا منهم.

2- أصل تسمية المنافق منافقًا:
ذكَر القرطبي[5]: "قال ابنُ الأنباري: في تسمية المنافق منافقًا ثلاثةُ أقوال:
أحدها: أنه سُمِّي بذلك؛ لأنَّه يستر كفرَه، فأشبه الداخلَ في النَّفق، وهو السرب.
وثانيها: أنه شُبِّه باليربوع الذي له جُحر، يُقال له: القاصعاء، وآخر يقال له: النافقاء، فإذا أُخِذ عليه مِن أحدهما خرَج من الآخر، وكذلك المنافِق يخرج من الإيمان مِن غير الوجه الذي يدخُل فيه.
وثالثها: أنه شُبِّه باليربوع مِن جهة أنَّ اليربوع يَخرِق في الأرض، حتى إذا قارَبَ ظاهرها أرق التراب، فإذا رابَه ريبٌ دفَع التراب برأسه فخرَج، فظاهر جحرِه تراب وباطنه حفْر، وكذلك المنافق، ظاهره الإيمان وباطِنُه الكفر"؛ ا.هـ.

3- خطورة النفاق:
إنَّ النِّفاق داءٌ خبيث، إذا أصاب الأمة نخرَها، كما تنخر الدودة لحاء الشجر، وليس شيءٌ أضر على الأمَّة مِن أمْر المنافقين، فهم يَهدِمون الدِّين باسْمِ الدِّين، وهم يتكلَّمون بألسنِتنا، قلوبُهم قلوبُ الشياطين، وجُثمانهم جثمان إنس، خَطَرُهم على الأمَّة جسيم، ووبالهم وخيم، يُلوِّنون الباطل بلَوْن الحق، ويكسون الحقَّ بكساء الباطل، يدسُّون السُّمَّ في العسل، حتى إذا ذاقَه ضعيفُ الفؤاد وجدَه عسلاً، وما تجرَّع المسكين إلا سُمًّا، خسِر الدنيا والآخرة.

ولمَّا كان خطرُهم عظيمًا، فقدْ حذَّرَنا نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائلاً: ((أخوف ما أخاف على أمَّتي كلّ منافِق عليم اللِّسان))[6].
ورُوي عن عمر - رضي الله عنه -: أنَّه قال على المِنبر: "إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم المنافِق العليم"، قالوا: كيف يكون المنافِق عليمًا؟ قال: يتكلَّم بالحِكمة، ويعمل بالجَوْر، أو قال: المنكَر"[7].

وأخرج البخاري[8] مِن حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: "إنَّ المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانوا يومئذٍ يسرون، واليوم يجهرون".

ومِن أخطارهم:
موالاتهم للكافرين، وغَدْرهم بالمؤمنين؛ قال - تعالى -: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138 - 140].

خداعهم للمؤمنين؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8].

توهين المؤمنين وتخذيلهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 12 - 18].

ويتجلَّى خطرُهم في كونهم يتزيون بزيِّ الإسلام وهم أعتَا أعدائِه، ويتدثَّرون بدِثار الإسلام وهم معقل الكفر، فيحسبهم العوامُّ مسلمين، فيتبعون كلامَهم وما هم إلاَّ زنادقة يَقذِفون مَن أجابهم في النار، فكان عقابُهم عندَ الله أشدَّ وأنكى، فجعلهم الله في دَرْك النار الأسفل؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145].

وأخْرج مسلمٌ[9] من حديث قيْس بن عباد - رضي الله عنه - قال: "قلت لعمار: أرأيتم صنيعَكم هذا الذي صنعتُم في أمْر عليّ؟ أرَأيًا رأيتموه، أم شيئًا عهِده إليكم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقال: ما عهِد إلينا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا لم يعهدْه إلى الناس كافَّة، ولكن أخبَرني حذيفة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْلَمه اثني عشر منافقًا، منهم ثمانية لا يَدخُلون الجنة حتى يلجَ الجمل في سمِّ الخِياط، وأربعة لم أحفظْ ما قال شعبةُ فيهم".
وفي رواية: "ثمانية منهم تَكفيهم الدُّبَيلة - سِراج من النار يظهر في أكتافهم - حتى ينجمَ في صدورهم"، وينجم: يظهر ويطلع.

وجعَل الله عقابَهم مِن جنس فِعْلهم، فكما دلَّسوا على المؤمنين، فهُم يومَ القيامة تائهون ليس لهم نورٌ يهديهم سبيلَ النجاة؛ قال - تعالى -: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الحديد: 12 - 15].

4- صفات أهل النفاق الأكبر:
إنَّ للمنافقين صفاتٍ كثيرةً قد بيَّنها الله - جلَّ وعلا - في كتابه، ونبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سُنَّته، وقد جعَل الله - جلَّ وعلا - هذه الصفات دليلاً على نِفاق المرء، فمَن اتَّصف بها كان منافقًا خالصًا، لا تنفعه شفاعةُ الشافعين، وفي نار جهنمَ من المخلَّدين.

وصعوبة أمْر المنافِق تكمُنُ في سَريرته التي لا يعلمها إلاَّ الله وحْده لا شريك له، وقد أعْلَم نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ببعضهم، حيث قال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30].

فلَّما كان شرُّ المنافقين مستطيرًا، فسنأتي على بعضِ صِفاتهم، والتي منها:
أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 9].

الإفساد في الأرْض؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11 - 12].

الاستهزاء بالمؤمنين، قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14].

الحَلِف كذبًا؛ سترًا لجرائمهم: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 2].

موالاة الكافرين ونُصرتهم على المؤمنين؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 137- 140].

شقّ صفوف المؤمنين؛ ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 19-20].

ترْك التحاكُم إلى الله ورسوله؛ قال - تعالى -: ﴿ وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 47-49].

وهذه العَيِّنة من المنافقين ما أكثرَها اليوم! فهي في أحضان الغرْب تربَّت، وفي منابتِ الزندقة أنبتَت، وبنتانةِ الغرْب سُقِيت، فأنتجت أقوامًا أضلَّ من الأنعام، ينادون بإلْغاء شرْعِ الله، وعلى أرضه يمشون! يُنادون بإلْغاء القرآن ومِن نعم الله يأكلون، فسبحان الحليم!

الفَرَح بكلِّ مصيبة تصيب المؤمنين؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة:  50].

طعْنُهم في المؤمنين وتثبيطهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة:  58].

وقال أيضًا: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة:  79].
وقال أيضًا: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49].

ومن صِفاتهم: الأمرُ بالمنكر، والنهي عن المعروف؛ قال - تعالى -: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].

فهُم يأمرون بالإباحية، وينهَوْن عن الحِجاب، ويأمرون بالفُجور، وينهَوْن عن التقوى، يأمرون بالرِّبا، وينهَوْن عمَّا أحلَّ الله مِن البيوع، يأمرون بالخُمور، وينهون عمَّا أحلَّ الله مِن الطيبات، فعليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.

التغرير بالمؤمنين؛ قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ ﴾ [الحشر: 11- 12].

وهذه الآيات ترسم صورةً واضحةً ومتكاملة لأخلاقهم الدَّنيئة؛ حيث قال - تعالى -: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 1- 5].

وصِفات المنافِقون كثيرة، وفيما ذكرْناه - إن شاء الله - غُنية لمَن أراد النجاة مِن سبيل القوم، فهُم قد جمعوا كلَّ بلية، وشرِبوا كلَّ رذيلة، وتحلَّوْا بالمكر والخِداع والغش، ولعلَّ ما ذكرْناه قد صوَّر لنا صورةً واضحةً عن أوْصافهم؛ حتى نتجنبَها.

5- صفات أهل النفاق الأصغر:
أمَّا النِّفاق الأصغر فخطَرُه جسيم؛ لأنَّه وسيلةٌ للأكبر، حتى إذا استمرأه الإنسان استدرجَه إلى الأكبر، وإنَّ مِن أهمِّ صفات هؤلاء:
خيانة الأمانة، والكذِب والغدر، والفُجور عند المخاصمة، وهي المذكورة في الحديث الذي أخرَجه البخاري في الإيمان، باب علامات المنافق رقم (33)، ومسلم في الإيمان باب بيان خِصال المنافق رقم (59)، من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصْلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصْلة مِن النفاق حتى يدعَها: إذا اؤتُمِن خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر)).

وهذه الصِّفات وإن اجتمعتْ في المؤمِن فهي من النِّفاق العملي الذي لا يُخرِج صاحبَه من المِلَّة؛ يقول الإمام النووي[10]: "هذا الحديث ممَّا عدَّه جماعةٌ من العلماء مشكلاً، من حيث إنَّ هذه الخِصال توجد في المسلِم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماءُ على أنَّ من كان مصدِّقًا بقلبه ولسانه، وفعَل هذه الخِصال لا يُحكَم عليه بكفر، ولا هو منافِق يخلُد في النار؛ فإنَّ إخوة يوسف - صلَّى الله عليه وسلَّم - جمعوا هذه الخصال، وكذا وُجِد لبعض السلف والعلماء بعضُ هذا أو كله.

وهذا الحديث ليس فيه - بحمْد الله تعالى - إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحقِّقون والأكثرون - وهو الصحيح المختار -: أنَّ معناه أنَّ هذه الخِصال خصالُ نفاق، وصاحبها شبيهٌ بالمنافق في هذه الخِصال، ومتخلِّق بأخلاقهم، فإنَّ النِّفاق هو إظهار ما يُبطِن خلافَه، وهذا المعنى موجودٌ في صاحِب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حقِّ مَن حدَّثه، ووعَدَه، وائتَمَنه، وخاصَمَه، وعاهَدَه مِن الناس، لا أنَّه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر.

ولم يُرِد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا أنه منافقٌ نفاقَ الكفَّار المخلَّدين في الدَّرْك الأسفل من النار"؛ ا.هـ.

قال القرطبي[11]: "ولَمَّا استحال حملُ الحديث على ظاهرِه على مذهب أهل السُّنة، اختلف العلماءُ فيه على أقوال:
أحدها: أنَّ هذا النِّفاق هو نفاقُ العَمَل الذي سأل عنه عمرُ حذيفةَ لَمَّا قال له: هل تعلم فيَّ شيئًا مِن النفاق؟ أي: مِن صفات المنافقين الفعلية.
ووجه هذا: أنَّ مَن كانت فيه هذه الخِصال المذكورة كان ساترًا لها، ومظهِرًا لنقائضها، فصدَق عليه اسمُ منافق.

وثانيها: أنَّه محمولٌ على مَن غلبتْ عليه هذه الخِصال، واتَّخذها عادة، ولم يبالِ بها تهاونًا، واستِخْفافًا بأمرها، فأي مَن كان هكذا كان فاسِدَ الاعتقاد غالبًا، فيكون منافقًا خالصًا.

وثالثها: أنَّ تلك الخِصال كانتْ علامةَ المنافقين في زمانه، فإنَّ أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانوا متجنِّبين لتلك الخِصال، بحيث لا تقَع منهم، ولا تعرف فيما بينهم، وبهذا قال ابن عبَّاس وابن عمر، ورُوي عنهما في ذلك حديث، وهو أنَّهما أتيَا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسألاه عن هذا الحديث، فضحِك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((ما لكم ولهنَّ؟! إنَّما خصصت بهنَّ المنافقين، أنتم مِن ذلك براء))، وذكر الحديث بطوله القاضي عياض، وقال: وإلى هذا صار كثيرٌ من التابعين والأئمَّة"؛ا.هـ.

ومِن صفاتهم كذلك:
التخلُّف عنِ الصلاة، وخصوصًا صلاة الفجْر والعشاء؛ فقد أخرج البخاريُّ في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة برقم (656) من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حبوًا))... الحديث.

ملاقاةُ النَّاس بوجَهين؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تَجِدون الناسَ معادن، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيرَ الناس في هذا الشأن أشدَّ له كراهية، وتجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه))[12].

نَقْر الصلاة وإخراجها عن وقتِها؛ لِمَا رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر، رقم (622) من حديث العلاء بن عبدالرحمن: أنه دخَل على أنس بن مالك في دارٍ بالبصرة، حين انصرَف مِنَ الظهر، وداره بجَنْب المسجِد، فلمَّا دخلْنا عليه، قال: أصليتُم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفْنا الساعة من الظُّهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلَّيْنا، فلمَّا انصرفْنا قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تلك صلاة المنافِق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانتْ بيْن قَرْنَي الشيطان، قام فنَقَرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلاَّ قليلاً)).

مخالفة العلماء لكتاب الله - جلَّ وعلا - فقد جاء عن عبدالله بن عمرو أنه قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أكثرُ منافقي أمَّتي قُرَّاؤها))[13].

6- خوف السلف - رضي الله عنهم - من النفاق:
إنَّ مِن عقائد أهل السُّنة والجماعة أنَّه لا يأمن حيٌّ على نفسه الفِتنة، فإذا كان الأمرُ كذلك، فإنَّ المؤمن يجب أن يعبدَ اللهَ بيْن الرجاء والخوف، راجيًا رحمة ربِّه، خائفًا مِن عذابه، وخائفًا من أن يختمَ له بنفاق، وقد ضرَب السلفُ - رضي الله عنهم - أروعَ الأمثلة في ذلك:

قال إبراهيم التَّيْمي: ما عرضتُ قولي على عمَلي إلا خشيتُ أن أكونَ مكذِّبًا.

وقال ابن أبي مُلَيْكة: أدركتُ ثلاثين مِن أصحاب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلُّهم يخاف النِّفاقَ على نفسه، ما منهم أحدٌ يقول: إنَّه على إيمان جبريل وميكائيل.

ويُذْكر عن الحسن: ما خافَه إلاَّ مؤمن، ولا أَمِنه إلا منافِق، وما يحذر مِن الإصرار على النِّفاق والعصيان من غيْر توبة؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135][14].

وأخرج مسلم[15] مِن حديث حنظلة الأسيدي - وكان مِن كتَّاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: لَقِيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافَق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلتُ: نكون عندَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عيْن، فإذا خرجْنَا من عند رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عافسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، فنَسِينا كثيرًا، قال أبو بكر: فواللهِ، إنا لنلقَى مثل هذا! فانطلقتُ أنا وأبو بكر، حتى دخلْنا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: نافَق حنظلة يا رسول الله! فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسولَ الله، نكون عندَك، تُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجْنا من عندَك، عافسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات، نَسِينا كثيرًا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتْكم الملائكة على فُرُشكم وفي طُرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعةً - ثلاث مرات)).

وجاء في "جامع العلوم والحِكم"[16] بتصرُّف يسير: "وقال الحسن أيضًا: من النِّفاق اختلافُ القلْب واللسان، واختلاف السِّرِّ والعَلانية، واختلاف الدخول والخروج".

وقال طائفةٌ من السَّلف: خشوعُ النِّفاق أنْ ترَى الجسدَ خاشعًا، والقلْب ليس بخاشِع، وقد رُوي معنى ذلك عن عمر، ورُوي عنه أنَّه قال على المنبر: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم المنافِق العليم، قالوا: كيف يكون المنافِق عليمًا؟! قال: يتكلَّم بالحِكمةِ، ويعمل بالجَوْر، أو قال: المنكَر، وسُئل حذيفةُ عن المنافق، فقال: الذي يَصِف الإيمان ولا يعمل به.

وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه قيل له: إنا نَدخُلُ على سُلطاننا، فنقول لهم بخِلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجْنا من عندهم، قال: كُنَّا نعدُّ هذا نِفاقًا.

وفي "المسند" عن حُذيفة، قال: إنَّكم لتكلِّمون كلامًا إنْ كُنَّا لنعدُّه على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - النِّفاق، وفي رواية قال: إنْ كان الرجلُ ليتكلَّمُ بالكلمة على عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيصير بها منافقًا، وإنِّي لَأسمعُها مِن أحدِكم في اليوم في المجلس عشر مِرارٍ.

قال بلالُ بنُ سعْد: المنافِق يقولُ ما يَعرِفُ، ويعمل ما يُنكِرُ.

ومِن هنا كان الصحابةُ يخافون النِّفاقَ على أنفسهم، وكان عمرُ يسأل حُذيفةَ عن نفسه.

وسُئِل أبو رجاء العطاردي: هل أدركتَ مَن أدركتَ من أصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخشَوْن النفاقَ؟ فقال: نَعَمْ، إنِّي أدركتُ منهم - بحمد الله - صدرًا حسنًا، نعم شديدًا، نعم شديدًا.

ويُذكر عن الحسن قال: ما خافه إلاَّ مؤمِنٌ، ولا أَمِنه إلاَّ منافق؛ انتهى.

ورُوي عن الحسن أنَّه حلف: ما مضَى مؤمِنٌ قطُّ ولا بقِي إلاَّ وهو من النِّفاق مُشفِق، ولا مضَى منافق قط ولا بقِي إلا وهو من النِّفاق آمِن، وكان يقول: مَن لَمْ يَخَفِ النفاق، فهو منافِق.

وسَمِعَ رجلٌ أبا الدرداء يتعوَّذُ من النِّفاق في صلاته، فلمَّا سلَّم، قال له: ما شأنك وشأن النِّفاق؟ فقال: اللهمَّ غُفرًا - ثلاثًا - لا تأمَنِ البلاءَ، واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة، فينقلِبُ عن دِينه.

والآثار عن السَّلف في هذا كثيرةٌ جدًّا، قال سفيان الثوري: خلافُ ما بيْنَنا وبيْن المرجئة ثلاث، فذَكر منها قال: نحن نقول: النِّفاق، وهم يقولون: لا نِفاق.

وقال الأوزاعي: قد خاف عمرُ النفاقَ على نفسه، قيل له: إنَّهم يقولون: إنَّ عمر لم يَخَفْ أنْ يكونَ يومئذٍ منافقًا حتى سألَ حُذيفة، ولكن خاف أنْ يُبتلى بذلك قبل أنْ يموت، قال: هذا قولُ أهلِ البِدع، يشير إلى أنَّ عمرَ كان يخاف.

وسُئِلَ الإمامُ أحمد: ما تقولُ فيمَن لا يخاف على نفسِه النفاق؟ فقال: ومَن يأمنُ على نفسه النِّفاق؟! وكان الحسن يُسمِّي من ظَهرت منه أوصافُ النِّفاق العملي منافقًا، ورُوي نحوه عن حذيفة.

وقال الشعبي: مَن كذَب، فهو منافق.

وقد وصَف الله المنافقين بالمخادَعة، وأحسن أبو العتاهية في قوله:
لَيْسَ دُنْيَا إِلاَّ بِدِينٍ وَلَيْسَ الدْ
دِينُ إِلاَّ مَكَارِمَ الْأَخْلاَقِ
إنَّمَا المَكْرُ وَالخَدِيعَةُ فِي النَّا
رِ هُمَا مِنْ خِصَالِ أَهْلِ النِّفَاقِ".ا.ه.


وفي "تذكرة الحفَّاظ"[17]: "أنَّ عبدالله بن عمرو لَمَّا حضرتْه الوفاة خطَب إليه رجلٌ ابنتَه، فقال: إني قد قلتُ فيه قولاً شبيهًا بالعدة، وإني أكْرَه أن ألْقَى الله بثُلُث النِّفاق".

وفي "نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء"[18]: "الوليد بن مزيد: سمعتُ الأوزاعي يقول: إنَّ المؤمن يقول قليلاً ويعمل كثيرًا، وإنَّ المنافق يتكلَّم كثيرًا ويعمل قليلاً".
وفيه[19]: "مثَل المؤمن مثَل مَن غرَس نخلةً يخاف أن تحمِلَ شوكًا، ومثل المنافق مثل مَن زَرَع شوكًا يطمع أن يحمل تمرًا، هيهات!".
وفيه[20]: "عن خالدِ بن معْدان، عن عمرو بن الأسود العنسي، أنه كان إذا خرَج من المسجد قبَض بيمينه على شِماله، فسُئِل عن ذلك، فقال: مخافةَ أن تنافقَ يدي".

قال الشاعر:
خَلِّ النِّفَاقَ لِأَهْلِهِ
وَعَلَيْكَ فَالْتَمِسِ الطَّرِيقَا
وَارْغَبْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُرَى
إِلاَّ عَدُوًّا أَوْ صَدِيقَا


وقال آخر:
وَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ وُدُّهُ بِلِسَانِهِ
خَؤُونٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لاَ يَتَذَمَّمُ
يُضَاحِكُنِي عُجْبًا إِذَا مَا لَقِيتُهُ
وَيَقْذَعُنِي مِنْهُ إِذَا غِبْتُ أَسْهُمُ

كَذَلِكَ ذُو الوَجْهَيْنِ يُرْضِيكَ شَاهِدًا
وَفِي غَيْبِهِ إِنْ غَابَ صَابٌ وَعَلْقَمُ


9- أسباب النفاق:
إنَّ مِن أهمِّ أسباب النِّفاق:
ضَعْف اليقين في الله - عزَّ وجلَّ - وما عندَه، فآثَر المنافِقُ الدنيا العاجلة؛ لأنَّها ملموسةٌ، وترَك الآخرة.

خوْف الناس وخوْف ملامتهم، فهو يخاف أنْ يعاديَه المؤمن والكافر، فصار السبيل عندَه للخلاص هو إعطاء كلٍّ منهما وجهًا يناسبه، لكن هو قلْبُه مع الكفَّار، فصار معولَ هدمٍ في صفوف المؤمنين؛ لذلك صار خطرُه أشدَّ وأنْكى بالمؤمنين مِن الكفَّار الظاهرين؛ لأنَّه لا يُدرَى متى يَغْدِر.

حِقْده على المسلمين؛ ونظرًا لأنَّه ليس في موقِف قوة، فإنَّه آثرَ العمل في الخَفاء، كعبدِالله بن أُبيِّ بن سلول.

خُلو قلْبِه منَ الإيمان بالله، فصار قلبُه خربًا خاليًا من ذِكْر الله، وأصبح بيئةً خصبة للنفاق.

كُرْهُه للدِّين الإسلامي؛ لأنَّه حرَمَهم من الظلم الذي كان يمارَس على الضعفاء بغير وجهِ حقٍّ؛ لأنَّ الدين الإسلامي ساوى بيْن الغني والفقير، بين القوي والضعيف، وحَفِظ حقوقَ البشر كلهم.

10- السبيل إلى الخلاص من النفاق:
1- الاعتصام بحبْل الله - جلَّ وعلا - واتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه.
2- سؤال الله الهداية، فمَن هداه الله، فلا مضلَّ له، ومَن أضلَّه الله فلا هاديَ له.
3- الإيمان الجازِم الذي لا يساوره شكٌّ في أنَّ ما عند الله باقٍ، والدنيا فانية.
4- حبُّ المؤمنين الصالحين ومخالطتهم، فمَن أحبَّ قومًا صار منهم.
5- إعلاء شرْع الله - جلَّ وعلا - والعمل به، والانقياد لتعاليمه.
6- الحِفاظ على عُروةِ الإسلام الوُثقَى؛ الصلاة.
7- تجنُّب الخِصال التي ذكَرَها الله في كتابه ونبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سُنته.
8- الصلاة بخشوع وفي جماعة.
9- الانكباب على دِين الله تعلمًا وتعليمًا وعملاً.
10- النظر إلى الدنيا بعَيْن الزوال، وأنَّها فانيةٌ لا محالة، فيذوب الجليدُ القاسي الذي تجمَّع فوق القلْب.
11- تنقية القلْب مِن أدران الشِّرْك، فالنفاق شرْك، فهو جعل حبّ الدنيا فوقَ حبِّ الله.
12- الوفاء بالعهْد، وعدم الغدر، وأداء الأمانة وحُسْن الخلق.
13- التخلُّق بأخلاق الإسلام.
14- تجنُّب موجِبات اللعنة مِنَ المعاصي.

هذا، وخير ما نختم به كلامُ سيِّد المرسَلين، حيث ضرَب مثَلاً للمؤمن والمنافق، لعلَّ ذلك يكون مبشِّرًا للمؤمن، ونذارةً للمنافق، حين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَثَل المؤمن كالخامةِ مِن الزرع، تُفَيِّئُها الرِّيح مرة، وتعدلها مرَّة، ومثل المنافق كالأُرزة، لا تَزال حتى يكون انجعافُها مرةً واحدة)) [21].

وفي "المسند"[22]، عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((القلوب أربعة: قلب أجْرَد، فيه مِثْل السِّراج يُزهرُ، وقلْب أغْلَف مربوط على غلافه، وقلْب مَنْكُوس، وقلْب مُصْفَح: فأمَّا القلب الأجْرَد، فقلْبُ المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغْلف فقلب الكافر، وأما القلْب المنكوس فقلب المنافِق، عَرَفَ ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلْبٌ فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يَمُدُّها الماء الطيِّب، ومثل النِّفاق فيه كمثل القُرْحة يَمُدَّها القيح والدم، فأي المادتَيْن غلبَتْ على الأُخرى غلبَتْ عليه))؛ قال ابن كثير: إسناده جيد.

وعن ابن عمران أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مثَل المنافق كمَثَل الشاةِ العائرة بيْن الغَنمَيْن، تعير في هذه مرة وفي هذه مرة، لا تدري أيها تَتَّبع))[23].

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.
التعليقات
0 التعليقات
يتم التشغيل بواسطة Blogger.