جديد الموقع
recent

الأصل في الماء وغيره من الأعيان الطهارة

 المسألة الأولى :الأصل في الماء وغيره من الأعيان الطهارة .
هذه القاعدة مجمع عليها بين العلماء، وقد نقل الإجماع على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:" أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ وَأَنَّ النَّجَاسَاتِ مُحْصَاةٌ مُسْتَقْصَاةٌ وَمَا خَرَجَ عَنْ الضَّبْطِ وَالْحَصْرِ فَهُوَ طَاهِرٌ"( ).
وهي من أهم القواعد الضابطة لباب المياه، ويحتاج إليها الفقيه كثيرا، ومعناها أن الماء في أصل خلقته الأولى طاهر في نفسه مطهر لغيره، وعليه فمتى اشتبهت علينا طهارة الماء، وجب علينا استصحاب الأصل الذي هو طهارته لأنه مُتَيَقَّن، أما التنجس فمشكوك فيه، فيُغلَّب اليقين على الشك، حيث لا نجد دليلا على النجاسة، وسيأتي مزيد تفصيل حول حكم الماء المشكوك فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
فائـــدة :
أولا : مذاهب العلماء :
اختلف العلماء في أصل باقي الأعيان التي لم يرد فيها دليل يخصها، أو يخص نوعها على أقوال :
1- قيل : هي على الإباحة.
2- وقيل : هي على المنع.
3- وقيل : هي على الوقف.
ثانيا : الأدلة ومناقشتها
 1- المذهب الأول : فاحتج القائلون بالإباحة بما يلي :
- بقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) فإنه سبحانه أنكر على من حرم ذلك، فوجب أن لا تثبت حُرمته، وإذا لم تثبت حرمته امتنع ثبوت الحُرمة في فرد من أفراده؛ لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراده، لثبتت الحرمة في زينة الله، وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة.
- واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) وليس المراد من الطيب الحلال، وإلا لزم التكرار، فوجب تفسيره بما يستطاب طبعا، وذلك يقتضي حل المنافع بأسرها.
- واحتجوا أيضًا بقول تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، واللام تقتضي الاختصاص بما فيه منفعة.
- واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) فجعل الأصل الإباحة، والتحريم مستثنى.
- وبقوله سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)
- وبما ثبت في الصحيحين وغيرهما، من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا من سَأل عن شيء فَحُرِّمَ على المسلمين من أجل مسألته ".
- واحتجوا أيضًا بأنه انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك قطعًا، ولا على المنتفع، فوجب أن لا يمتنع، كالاستضاءة بضوء السراج، والاستظلال بظل الجدار.
- واحتجوا أيضًا بأنه سبحانه إما أن يكون خلقه لهذه الأعيان لحكمه، أو لغير حكمة، والثاني باطل؛ لقوله تعالى: (ماخَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ)،
وقوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) والعبث لا يجوز على الحكمة، فثبت أنها مخلوقة لحكمة، ولا تخلو هذه الحكمة إما أن تكون لعود النفع إليه سبحانه، أو إلينا، والأول باطل، لاستحالة الانتفاع عليه عز وجل، فثبت أنه إنما خلقها لينتفع بها المحتاجون إليها، وإذا كان كذلك كان نفع المحتاج مطلوب الحصول أينما كان، فإن منع منه فإنما هو يمنع منه لرجوع ضرره إلى المحتاج إليه، وذلك بأن ينهى الله عنه، فثبت أن الأصل في المنافع الإباحة.
2- المذهب الثاني : وقد احتج القائلون بأن الأصل المنع :
- بمثل قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وهذا خارج عن محل النزاع، فإن النزاع إنما هو فيما لم ينص على حكمه، أو حكم نوعه، وأما ما قد فصله وبين حكمه، فهو كما بينه بلا خلاف.
- واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) قالوا: فأخبر الله سبحانه أن التحريم والتحليل ليس إلينا، وإنما هو إليه فلا نعلم الحلال والحرام إلا بإذنه.
ويجاب عن هذا: بأن القائلين بأصالة الإباحة لم يقولوا بذلك من جهة أنفسهم، بل قالوه بالدليل الذي استدلوا به من كتاب الله وسنة رسوله، كما تقدم، فلا ترد هذه الآية عليهم، ولا تعلق لها بمحل النزاع.
- واستدل بعضهم بالحديث الصحيح الثابت في دواوين الإسلام عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات والمؤمنون وقَّافُون عند الشبهات"
قال: فأرشد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ترك ما بين الحلال والحرام، ولم يجعل الأصل فيها أحدهما.
ولا يخفاك أن هذا الحديث لا يدل على مطلوبهم من أن الأصل المنع.
3- المذهب الثالث :احتج القائلون بالوقف:
- بقوله صلى الله عليه وسلم : "الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات والمؤمنون وقَّافُون عند الشبهات"
- فيجاب عنه: بأن الله سبحانه قد بين حكم ما سكت عنه بأنه حلال بما سبق من الأدلة، وليس المراد بقوله: "وبينهما أمور مشتبهات" إلا ما لم يدل الدليل على أنه حلال طلق، أو حرام واضح، بل تنازعه أمران، أحدهما يدل على إلحاقه بالحلال، والآخر يدل على إلحاقه بالحرام، كما يقع ذلك عند تعارض الأدلة أما ما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه.
- واستدلوا أيضًا بالحديث الصحيح وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام"
يجاب عنه: بأنه خارج عن محل النزاع؛ لأنه خاص بالأموال التي قد صارت مملوكة لمالكيها، ولا خلاف في تحريمها على الغير، وإنما النزع في الأعيان التي خلقها الله لعباده، ولم تصر في ملك أحد منهم، وذلك كالحيوانات التي لم ينص الله عز وجل على تحريمها، لا بدليل عام ولا خاص، وكالنباتات التي تنبتها الأرض، مما لم يدل دليل على تحريمها، ولا كانت مما يضر مستعمله بل مما ينفعه.
ثالثا : القول المختار :
من خلال ما سبق يظهر والله أعلم أن الراجح هو المذهب الأول، وهو أن الأصل في الأعيان الإباحة لقوة أدلتهم.
موقع بحوث شرعية

موقع بحوث شرعية

هناك 9 تعليقات:

  1. أقسام الطهارة
    1-طهارة معنوية:
    وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي وكل ما ران عليه، ولا يمكن أن تتحقق الطهارة مع وجود نجس الشرك في القلب، كما قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28].
    وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»
    2 - طهارة حسية: وهي طهارة البدن من الأحداث والنجاسات. وتنقسم إلى قسمين: 1- الطهارة من الحدث....

    ردحذف

يتم التشغيل بواسطة Blogger.