جديد الموقع
recent

ما هي أقسام المياه ؟

أولا : تصوير المسألة
قبل ذكر مذاهب العلماء، يحسن بنا تصوير المسألة من خلال شرح الاصطلاحات الفقهية التالية، 
طهور: معناه أن الماء طاهر في نفسه، مطهر لغيره.
وطاهر:معناه أن الماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره.
ونجس: معناه أن غير طاهر لا في نفسه وبالضرورة فهو غير مطهر لغيره.
ثانيا : مذاهب العلماء.
ومن خلال ما سبق نقول :
اختلف الفقهاء في أقسام المياه،
1- فقيل : هي ثلاثة أقسام، طهور، وطاهر، ونجس، وهو قول الجمهور من الأحناف والمالكية والشافعية، والحنابلة. 
2- وقيل : ما هي إلا طهور، ونجس، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره جمع من المحققين منهم ابن تيمية والشوكاني.
وليعلم أن الفقهاء متفقون على إثبات الطهور والنجس، لكن الخلاف بينهم إنما وقع في مسمى الطاهر.


ثالثا : الأدلة ومناقشاتها.


1- واستدل أصحاب القول الأول بأدلة منها:
قوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا) ووجه الدلالة أن الماء مطلق بمعنى أنه باق على أصل خلقته الأولى ولم يتغير، فإن تعذر فلا نمر إلى ما تغير وإنما إلى البدل وهو التيمم، فثبت أن هناك ماء مطلق وهو الطهور، وآخر مقيد وهو الطاهر، وثالث نجس. 
واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : عندما سئل عن الماء فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميته " وهو حديث صحيح. ووجه الدلالة منه أن الصحابة يعلمون أن البحر طاهر، لكن سؤالهم يدل على أن هذا الطاهر، هل يصلح مطهرا أم لا؟ فدل على أن هناك طاهر مطهر أي طهور، وطاهر غير مطهر.
- النهي عن الاغتسال في الماء الراكد، وعن غمس اليد في الماء بعد النوم، فيه دليل على كون هذا الماء ليس نجسا، فهو طاهر لكن لا يصلح أن يكون مطهرا.
ومما استدلوا به أيضا ما جاء في كشاف القناع: وأقسام الماء ثلاثة : لأنه لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أو لا، فإن جاز فهو الطهور، وإن لم يجز فلا يخلو إما أن يجوز شربه أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو النجس، أو تقول : إما أن يكون مأذونا في استعماله أو لا، الثاني النجس والأول إما أن يكون مطهرا لغيره أو لا الأول الطهور، والثاني الطاهر ".
2- واستدل أصحاب المذهب الثاني بما يلي : 
- قوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا) و وجه الدلالة منها أن لفظة " ماء" في الآية هي مطلقة، والتقييد إنما يكون بنص أو إجماع، فلما لم يرد إلا المنع من الطهارة بالماء النجس بالإجماع، بقي ما عداه على إطلاقه، وصح الوضوء والتطهر بالماء المستعمل أو غير المستعمل مما لم يسلبه التغيير مسمى الماء.
حديث أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يتوضأ من بئر بضاعة فقلت : يا رسول الله توضأ منها وهى يُلقى فيها ما يُلقى من النتن فقال: إن الماء لا ينجسه شيء 
قال شعيب الأرنؤوط : صحيح بطرقه وشواهده. 
ووجه الدلالة منه أن الماء حسب الحديث باق على طهارته إلا في حالة تنجسه، يعني تغيره بالنجاسة، ولم يتعرض لبيان أن من الماء ما يبقى طاهر غير مطهر، وكما هو معلوم فلا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، فدل على أن الماء قسمان ولا نص على القسم الثالث.فالطهور ثبت نصا، والنجس ثبت إجماعا، ولا دليل على قسم الطاهر الغير مطهر.
- بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهم قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال فأوقصته، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا".
- وما ثبت في الصحيحين أنه حين توفيت ابنته صلى الله عليه وسلم قال:اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر...الحديث.
وفيه دلالة على أن الماء باختلاطه بالسدر لا يسلبه ذلك الطهورية، فما جاز للأموات جاز للأحياء.
- حديث أم هانئ في المسند : اغتسل النبي صلى الله عليه و سلم وميمونة من إناء واحد قصعة فيها أثر العجين " قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح.
ووجه الدلالة منه أن الماء لا بد أن يختلط ويتحلل فيه العجين خصوصا إذا قل في آخر الوضوء، فدل على أنه وإن اختلط فبقي طاهرا مطهرا.
- ومن الأدلة أيضا انتفاع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مزادة امرأة مشركة كما في الصحيحين.
فدل على أن هذه الأوعية تترك رائحة في الماء، لكن مادام التغير بطاهر لم يسلب الماء صفته، فهو مطهر لغيره.
رابعا : القول المختار :
والذي يظهر أن الراجح هو أن الماء قسمان، وما ذكره أصحاب القول الأول لا يصح دليلا على إثبات قسم ثالث، لأن الوضوء توقيفي وإثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة، فما تغير بالطاهر فهو طهور إلا إن غير اسمه ووصفه المطلق ، فيخرج عن مسمى الماء.
ولعل من الأدلة أيضا أن وجود قسم طاهر غير مطهر فيه حرج على الناس خصوصا أهل البوادي، وهو أمر ملاحظ، مما يتعارض مع قاعدة و مبدأ رفع الحرج.
والله أعلم.
- ضابط فقهي : " وكل ماء جاز شربه اختيارا صح التطهر به ."
هذا ضابط من الضوابط الفقهية، وهو ضابط وجيه 
وهذا النوع من الماء هو الذي يسميه الفقهاء طاهرا. 
شرح هذا الضابط، فنقول وبالله التوفيق :
فبقولنا ماء، فقد خرج بذلك ماء الورد وماء الزعفران وغيره حتى انتقل عن أصل تسميته ماءً مطلقاً لتغيره، وإن كان هذا التغير بطاهر.
وبقولنا جاز شربه وكذلك استعماله، خرج كل ماء لم يجز شربه، أو استعماله لنجاسته، أو تغيره.
وبقولنا اختيارا، خرج كل ماء نجس جاز شربه حال الضرورة، فلا يصح الوضوء به، لأنه قد شُرع لنا البدل، وهو التيمم حال فقد الماء.
وقد ذكر هذا الضابط صاحب كشاف القناع عند حديثه عن أقسام المياه. 
فائـــدة : الفرق بين الضابط والقاعدة الفقهية :
لماذا قلنا ضابطا ولم نقل قاعدة فقهية؟
جوابه أن القاعدة الفقهية أعم من الضابط، لأنها تؤطر وتقعد لكثير من أبواب الفقه، أما الضابط فيكون خاصا بباب فقهي معين أو أكثر.
مثال ذلك :
قولنا المشقة تجلب التيسير فهذه قاعدة لأنها تصلح وتضبط وتجمع فروع ومسائل كثير من أبواب الفقه عبادات كانت أم معاملات، أما قولنا وكل ماء جاز شربه اختيارا صح التطهر به فهو يضبط باب الطهارة فقط.


جمع وترتيب : أ. عبد الجليل مبرور

موقع بحوث شرعية

موقع بحوث شرعية

هناك 7 تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.