جديد الموقع
recent

المسألة الثالثة : الماء المشكوك في طهارته.





شرح الشك والوهم والظن.



الشَّكُّ لُغَةً : خِلاَفُ الْيَقِينِ ، وهو عند الفقهاء التَّرَدُّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ، سَوَاءٌ اسْتَوَى طَرَفَاهُ ، أَوْ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ.
وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ : التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِلاَ تَرْجِيحٍ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ عِنْدَ الشَّاكِّ.
فالأخذ بالمرجوح وهم، والأخذ بالراجح ظن.
أولا : الشك في طهارة الماء 
اتفقت المذاهب الأربعة على أنه من شك في طهارة ماء أو نجاسته، ولا تظهر عليه أمارات التنجس من تغير رائحة أو لون أو طعم، فإنه يبني على اليقين، فإن كان متيقنا قبل ذلك الطهارة فهي الأصل، وإن كان متيقنا قبل ذلك النجاسة، ثم طرأ عليه الشك في الطهارة فيبني على الأصل الذي هو النجاسة.
ثانيا : مذاهب العلماء في الشك فيما عدا الماء.
أما الشك في باقي الأشياء كنجاسة الثوب، والحدث داخل الصلاة وخارجها، وغيرها...
فهذا تفصيل انفرد به المالكية عن الجمهور.
ثالثا : الأدلة ومناقشاتها.
1- دليل الجمهور :
استدل الجمهور بالقاعدة الكبرى اليقين لا يزول بالشك، أي الشك الطارئ بعد يقين سابق، وهي أصل عظيم من أصول الشريعة، والتي قال عنها النووي: هي قاعدة مطردة لا يخرج عنها إلا مسائل، وقال عنها السيوطي: تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر.
وقال عنها القرافي: هذه قاعدة مجمع عليها، وهي أن كل مشكوك فيه، يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه.
2- دليل المالكية على تفصيلهم السابق :
- دليلهم على النضح عند الشك في طهارة الثوب:
- عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق قريبا من بعض المياه فاحتلم عمر وقد كاد أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء فركب حتى جاء الماء فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر فقال له عمرو بن العاص أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل فقال عمر بن الخطاب واعجبا لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا والله لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر" رواه مالك في الموطأ.
- قالوا في الحديث دليل على أنه إن علم أثر المني غسله، وإن شك فيه نضحه أي رشه بالماء.
- وأجاب الجمهور أن هذا استدلال مبني على نجاسة المني، وهو غير مسلم به ومختلف فيه، بالإضافة إلى كون الحديث موقوف على عمر رضي الله عنه، وإذا كان الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم الاستحباب، فكيف بفعل غيره.
- ما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال قوموا فلأصل لكم قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف.
- وأجيب عن هذا بأن النضح ليس سببه النجاسة، إذ لو كان كذلك لانتشرت النجاسة بالنضح، وإنما ذلك لتيليين الحصير.


- دليلهم على وجوب الغسل عند الشك في نجاسة البدن:
- ما رواه البخاري ومسلم واللفظ له، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ».
- قالوا ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل اليد وعلله بالشك، فكذلك سائر البدن.
- وقد رد بكونه العلة ليست واضحة في النجاسة، كما أن الشك في الحديث قد صرف الأمر إلى الاستحباب، فمحل النص استحباب غسل اليد وهو نص في اليد، فكيف يجعل واجبا في البدن وهو مقيس.
- دليلهم على أن الشك في الحدث مبطل للطهارة:
- إنما وجب الوضوء بالشك لأن الطهارة شرط ، والشك في الشرط مؤثر بخلاف الشك في طلاق زوجته أو عتق أمته أو شك في الطهارة أو الرضاع لا يؤثر ؛ لأنه شك في المانع وهو لا يؤثر . وإنما أثر في الشرط دون المانع ؛ لأن العبادة محققة في الذمة فلا تبرأ منها إلا بطهارة محققة ، والمانع يطرأ على أمر محقق ، وهو الإباحة أو الملك من الرقيق فلا تنقطع بأمر مشكوك فيه .
- دليلهم على التفريق بين الشك داخل الصلاة والشك خارجها:
- ما جاء في الصحيحين من حديث عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
- قالوا : من شك وهو في الصلاة طرأ عليه الشك فيها بعد دخوله فوجب أن لا ينصرف عنها إلا بيقين ومن شك خارجها طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة فوجب أن لا يدخلها إلا بطهارة متيقنة.
- وقد رُد بكون الناقض خارج الصلاة يستلزم أن يكون بالضرورة أيضا داخلها.
رابعا : القول المختار :
من خلال ما سبق من حجج يظهر أن الراجح هو قول الجمهور أن اليقين لا يزول بالشك سواء داخل الصلاة أو خارجها، وسواء كان الشك في الحدث أو في نجاسة البدن، فاليقين لا يزول إلا بيقين.
موقع بحوث شرعية

موقع بحوث شرعية

هناك تعليق واحد:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.